إجراءات كويتية لمعالجة نقص الأيدي العاملة تُناقض مخطط تعديل التركيبة السكانية

كثرة الوافدين وما انجرّ عنها من مشكلات متنوعة تعدّ من أعقد الملفّات المطروحة منذ سنوات على الحكومات الكويتية المتعاقبة.

الكويت - أقرّت الهيئة العامة للقوى العاملة في الكويت جملة من الإجراءات في مجال استقدام العمّال من خارج البلاد هدفت إلى سدّ النقص في الأيدي العاملة والتخفيف من تكلفتها المالية على أصحاب المشاريع، لكّنها بدت مناقضة لجهود تعديل التركيبة السكانية وتوجيه المواطنين للعمل في القطاع الخاص.

وتعاني الكويت منذ سنوات تضخّما في عدد الأجانب المقيمين بالبلد قياسا بعدد المواطنين، بينما تتعثّر جهود تطوير القطاع الخاص بسبب عزوف المواطنين على العمل فيه في مقابل إقبالهم الشديد على العمل في القطاع العام الذي يوفّر لهم أوضاعا مريحة وامتيازات مالية كبيرة رغم ترهّله وقلّة إنتاجيته كونه مموّلا من الدولة في كل الظروف وبغض النظر عن مردوديته.

ولا ينفصل الأمران عن ظاهرة استقدام العمال من الخارج بشكل مكثّف ما أغرق البلد في أعداد كبيرة من العمالة الوافدة التي اجتاحت أغلب القطاعات، وساهمت بشكل مباشر في ترسيخ نوع من العقلية الاتكالية والترفع عن أنواع كثيرة من الأعمال من قبل الكويتيين، في ظل وجود عمال وافدين مستعدين دائما لسدّ الشغورات في مختلف الأعمال وأكثرها بساطة وهامشية.

وتعلن السلطات الكويتية منذ سنوات عن شروعها في مخططّ لتقويم خلل التركيبة السكانية عبر اتّخاذ إجراءات تساهم في الحدّ من استقدام العمال من الخارج والاستعاضة عنهم بأيد عاملة محلية.

ورغم أنّ المخططّ ما يزال يسير ببطء ولا يحقق النتائج المرجوّة منه بالسرعة المطلوبة، فإنّ تطبيق مقتضياته على القطاع الحكومي تبدو ممكنة عندما تتوفر الأعداد الكافية من الخبرات والكفاءات المحلية، لكنّه يبدو صعب التطبيق على القطاع الخاص الذي لا ترغب غالبية الكويتيين بالعمل فيه، وهو أمر متجسّد في أزمة الأيدي العاملة التي يعرفها القطاع وما ترتّب عنها من أعباء مالية إضافية على أصحاب الأعمال الناشطين فيه.

وتضمنت الإجراءات الجديدة التي أقرّتها الهيئة تعديل آلية منح تصاريح العمل المعمول بها سابقا بالسماح لصاحب العمل باستقدام العدد من العمال المسموح له باستقدامه من الخارج وفقا للرخصة التي يمتلكها من دون إلزامه بتحويل العمالة من الداخل.

وكان النظام المعمول به سابقا يلزم أصحاب الأعمال بحسب فئات أنشطتهم بالحصول على تصاريح محددة للاستقدام من الخارج واستكمال سد النقص من خلال التحويل الداخلي للعمالة ما أدى لارتفاع أسعار الأيدي العاملة وأجورها.

كما تضمنت الإجراءات فرض رسم إضافي لإصدار إذن عمل بالكويت لأول مرة بقيمة حوالي 487 دولار، وفرض رسم بقيمة حوالي 973 دولار لتحويل العامل من شركة إلى أخرى إذا لم يمضِ على دخوله البلاد أكثر من ثلاث سنوات مع إلزامية موافقة صاحب العمل على عملية التحويل.

ومع ما تتضمنه القرارات الجديدة من تيسيير على أصحاب الأعمال والمستثمرين في القطاع الخاص بما ينطوي عليه ذلك من رغبة في تنشيط هذا القطاع الذي ما يزال بعيدا عن أداء الدور المطلوب منه في في اقتصاد البلاد، إلاّ أن جهات كويتية معروفة بدفاعها الشديد عن مخطّط تعديل التركيبة السكانية ومطالبتها بالحرص في على استكماله وتشديد القوانين والإجراءات المتعلّقة به، اعتبرت أنّ خلاصة الإجراءات الجديدة للهيئة هي فتح المجال للمزيد من تدفّق العمال الأجانب على الكويت.

وحرصت الهيئة العامة للقوى العاملة من جهتها على التوضيح في بيان أصدرته للغرض أن قرارها الجديد يهدف إلى الحد من تجارة الإقامات والتسهيل على أصحاب العمل لممارسة أنشطتهم التجارية وتطوير بيئة الأعمال، وكذلك العمل على خفض تكلفة وأجور الأيدي العاملة التي ستساهم بانخفاض الأسعار في قطاع البناء والمقاولات، وغيرها من الأنشطة في البلاد.

ووصف الاستشاري الاجتماعي ناصر العمار الخطوة التي اتخذتها الهيئة بأنّها تسير في الاتجاه الصحيح ومن شأنها خفض كلفة أسعار العمالة المهنية، مشيرا في تصريحات لصحيفة الرأي المحلية إلى “أن المواطن كان يتكبد مبالغ كبيرة بسبب ندرة تلك العمالة ووقف استقدامها”.

واعتبر العمار أن المواطن سيجني ثمرة هذا القرار عاجلا وليس آجلا لأن الخيارات أمامه ستكون كثيرة في اختيار العمالة المدربة في مختلف المجالات والمفاضلة بينها سواء كان هذا الأمر يتعلق بأولئك المقبلين على بناء بيوت جديدة أو الذين يحتاجون ترميمات في بيوتهم القائمة أو عمالة أخرى مثل الخياطين وفنيي السيارات وغيرها من الحرف المهنية.

وتعدّ كثرة الوافدين وما انجرّ عنها من مشكلات متنوعة من أعقد الملفّات المطروحة منذ سنوات على الحكومات الكويتية المتعاقبة التي أعلنت بشكل متكرّر نيتها معالجة المسألة. ويمثل الوافدون نحو 68 بالمئة من إجمالي عدد سكان الكويت الذي يبلغ نحو 4.6 ملايين نسمة.

وتشكّلت ظاهرة كثرة الوافدين في الكويت على مدى سنوات طويلة تميّزت بالوفرة المالية من جهة، وبالتساهل حدّ التسيّب في عملية استقدام الوافدين إلى البلد إلى درجة ظهور تجارة غير مشروعة رائجة لجلب الآلاف من هؤلاء من بلدانهم ومنحهم إقامات في الكويت خارج القوانين المعمول بها والمنظمة للإقامة والشغل في البلاد، من جهة مقابلة.

ومع ما شهدته الكويت خلال السنوات الأخيرة من مصاعب مالية، فقد مثلت فاتورة تحويلات الأجانب نحو بلدانهم الأصلية عبءا إضافيا على الدولة المعتمدة بشكل رئيسي على عوائد النفط.

وساهمت مثل تلك الحقائق في صنع رأي عام كويتي مضاد لكثرة الوافدين غذّته مطالبات وطروحات عدد من نواب البرلمانات المتعاقبة التي لامس بعضها التطرّف ومعاداة الأجانب بتحميله الوافدين معظم مشاكل البلاد.

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2024-04-20T02:05:44Z dg43tfdfdgfd